أستاذٌ من جامعة البصرة يضع منهجا جامعا في الأحوال الشخصية
أستاذٌ من جامعة البصرة يضع منهجا جامعا في الأحوال الشخصية
عبد العزيز حسين علي
قرأت ذات مرة وأنا أقوم بتحضير ورقة لتقديم إحدى الجلسات الأدبية عبارةَ منسوبة لعالم الفيزياء الشهير اينشتاين يقول فيها "إن من أعظم ما تشتغل به العقول الذكية بناء المناهج التي يمكن أن نتبعها في التعامل مع المشكلات وفي فتح حقول للفهم والممارسة وان كثيرا من المشكلات قد تستمر قرونا ؛ لان الإنسان لم يعثر على المنهج الملائم لحلها ". وتعليقا على الجزء الأول من هذه العبارة نرى أن المنهج الأكاديمي كما معروف يختلف من حيث الشكل عن ما سواه من المؤلفات والكتب كونه يتضمن خطة واضحة وطريقة ملهمة في تقديم المعلومات إلى الطالب أو القارئ ؛ فليس بالأمر اليسير تأليف منهج ما ، يتعامل مع مختلف العقول في مراحل التحصيل العلمي سيما وانه يعد احد أهم أركان التعليم الجامعي الذي يتميز بدوره أيضا عن وسائل التعليم الأخرى لما يشتمل عليه من نظريات و أسس رصينة وكمية من الترابط والتواصل بين الأجيال عبر مسيرة العلم والمعرفة يكون هو الاقدر على اشباع هاتين الحاجتين الأساسيتين لتحقيق الحضارة ونهضة الامم.
بجهد واضح وكبير انبرى أستاذ القانون المدني الدكتور علي عبد العالي الاسدي التدريسي في كلية القانون جامعة البصرة لوضع منهج جامع في الأحوال الشخصية وقع ضمن كتابين شملا مواضيع الزواج والطلاق والنفقة والوصية والميراث ، هذه المواضيع الملازمة لمسيرة الإنسان طوال حياته فهي على قدر كبير من الأهمية في أن يتثقف بها ويحيط بجزء منها للحد الذي يجعله مؤديا لالتزامه إزاء الغير سيما وإنها تشتمل على نواحي دينية و شرعية تتعلق بحق الله تعالى وحق الناس على الأغلب وما يتصل بذلك من استقرار للأسرة التي تعتبر اللبنة الأولى في بناء مجتمع قوي متماسك تقل به المشاكل الأسرية الأمر الذي يدعم فيه جانب النهضة والإبداع .
صدر الكتاب الأول عن شركة العاتك لصناعة الكتب بيروت للمكتبة القانونية بغداد بعنوان (المرجع الجامع في الأحوال الشخصية الزواج والطلاق وآثارهما ونفقة الأصول والفروع والحواشي) ، يقع هذا الكتاب في ما يقارب 500 صفحة شملت تفصيلات المواضع التي تحت هذا العنوان بداية من تأصيل مصطلح الأحوال الشخصية ضمن المقدمة وشروعا من الباب الأول في مقدمات الزواج وتعريفه ومفهومه وبيان الحكم التكليفي له، ثم الغوص في أعماق أدق التفصيلات بأسلوب ملهم منظم يسهل على القارئ فهمه واستيعابه من مسائل تتعلق بالخطبة وطرق التعبير عنها والنظر إلى المخطوبة وأحكام المهر والهدايا عند العدول والمحرمات من النساء ومن اللائي لا يجوز خطبتهن ومسائل أخرى ضمن نفس السياق وكذلك الاحكام الخاصة في حالة انهاء الرابطة الزوجية من طلاق او تفريق او خلع او مباراة والتميز بين كل حالة وما يترتب عليها من آثار تتعلق بالنفقة والحضانة والأمور المتصلة بها ، وما يتميز به هذا الكتاب بأنه يحتوي بإضافة إلى جانب الفقه القانوني الوضعي المنظم لمسألة الأحوال الشخصية شمل أيضا بيان أحكامها على صعيد الفقه الإسلامي وكذلك القضاء من خلال وضعه وتخصيصه جوانب من الكتاب تتحدث عن الإجراءات الشكلية في بعض الدعاوى وقرارات تميزية صادرة من المحاكم العراقية ضمن هذا الموضوع ليتسع نطاق الفائدة من هذا المؤلف ليشمل القارئ العادي وطالب الحقوق والمحامي وحتى رجل الدين كونه جمع بين التشريع الوضعي والفقه الإسلامي في سياق متصل ضمن المنهج . وكذا الحال في كتابه الثاني الموسوم (المرجع الجامع في الوصية والميراث) الصادر عن دار المعارف للكتب الجامعية حيث وجد المؤلف نفسه أمام مسؤولية علمية تظهر من خلال ما ذكره في متن مقدمته حول الكتاب المنهجي المعمول به سابقا لمادة الوصية والميراث نتيجة لقدمه وقصوره عن معالجة كثير من الموضوعات مما يجعل الطالب متشتتا بين محاضرات شفوية وأخرى مكتوبة فهنا ظهرت الحاجة الملحة لتأليف مرجع جامع في الوصية والميراث يكون عونا للطالب والباحث والمحامي .
الأستاذ الدكتور علي الاسدي من مواليد ذي قار عام 1972 تخرج في كلية القانون جامعة البصرة سنة 1993 ثم حصل على شهادة الماجستير في القانون الخاص من جامعة بابل عام 2004 ثم نال شهادة الدكتوراه من كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية في لبنان سنة 2014 صدر له العديد من الكتب والأبحاث أهمها ( حجية الرسائل الالكترونية في الإثبات المدني ، الوجيز في أحكام الجنسية العراقية ، شرعية تولي متعددي الجنسية المناصب السياسية والأمنية الرفيعة في العراق ، الوسيط في قوانين الجنسية العربية ، نحو نظرية عامة للوكالة اللازمة ، التنظيم القانوني لرهن وثيقة التأمين دراسة قانونية مقارنة ، أحكام الوقف في القانون العراقي ... ) وله أيضا مقالات بحثية منشورة في مجلات علمية ومواقع رسمية في أغراض قانونية و شرعية كما أن له مشاركات عديدة ضمن مؤتمرات علمية محلية ودولية مختلفة ؛ ونال خلال مسيرته هذه العديد من الدروع و شهادات الشكر والتقدير من جهات أكاديمية وعلمية مختلفة .
وهنا نلاحظ قوة العمل البحثي والجهد العلمي الاستثنائي الذي يقوم به الاسدي في حقل القانون والمعرفة الأمر الذي يجعلنا نقف ضمن دائرة الفخر والاعتزاز بشخصية عراقية مبدعة تبذل ما بوسعها من اجل رفعة ونهضة العراق الذي هو اليوم أحوج ما يكون إلى أبنائه كافة سيما العلماء والمفكرين ؛ ويتجلى لنا من خلال ما تقدم أيضا أن الزمان بين الحين والآخر يولد لنا حقا فلتات تقر بها الأعين مصدرها عالم واسع من الإبداع والعطاء الإنساني المشرق.